فارسی   English   عربي    
أخبارخاص

قصة شطب جولاني من قائمة الإرهاب في بريطانيا

جمعية للدفاع عن ضحايا الإرهاب - أكدت علي مالكي، في تقرير نشرته صحيفة "فرهيختكان"، على أهمية دراسة استخدام الدول الغربية لأدوات الإرهاب لتحقيق أهدافها السياسية.

 

في هذا التقرير، نقرأ أنه في مجال السياسة العالمية، تُسمع كلمات مثل “حقوق الإنسان” و”مكافحة الإرهاب” بكثرة في تصريحات وقرارات ومقابلات رسمية للمسؤولين الغربيين. إلا أن وراء هذه الكلمات الجميلة، ترسم أفعال الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وغيرهما، صورة متناقضة تمامًا. صورة تُصنّف فيها مفاهيم العدالة والأمن ليس بناءً على مبادئ عالمية، بل على مقياس المصالح الجيوسياسية. من تطهير وجوه الإرهابيين البارزين إلى وصم نشطاء المجتمع المدني والسلام بالإرهاب، يكشف كل شيء عن الاستراتيجية القديمة للغرب في هندسة الرأي العام، والحفاظ على المصالح الجيوسياسية، وقمع المعارضين المستقلين. إن شطب الجولاني من قائمة الإرهاب في بريطانيا، إلى جانب اعتقال وحظر منظمة “فلسطين أكشن” المناهضة للعنف والمؤيدة لفلسطين، ليس سوى مثال علني على هذا التناقض الأخلاقي والسياسي. فجماعةٌ أظهرت احتجاجها، بدلاً من العنف المسلح، برش طلاء أحمر على مبانٍ متورطة في مجازر الفلسطينيين، أصبحت الآن على قائمة المنظمات الإرهابية؛ بينما يلتقط أشخاصٌ مثل الجولاني، المسؤولون عن قطع رؤوس الناس في شوارع سوريا، صورًا تذكارية مع مسؤولين أمريكيين يرتدون الزي الدبلوماسي وربطات العنق.

من جبهة النصرة إلى البيت الأبيض

 

الشخصية التي أصبحت رمزًا لسياسات “إعادة تشكيل وجه الإرهاب” في السنوات الأخيرة ليست سوى “أحمد حسين الشرع” المعروف باسمه الحركي “أبو محمد الجولاني”. قائد جبهة النصرة وزعيم جبهة تحرير الشام، ذو السجل الإجرامي. في الوقت الذي كان فيه أعضاء جماعته يقطعون رؤوس الفتيات ويستعبدونهن في شوارع سوريا، كانت وسائل الإعلام الغربية لا تزال تعتبره إرهابيًا. ولكن فجأة، ومع تغير في الموقف الجيوسياسي وبعد “تجميل” (سواء في المظهر أو في وسائل الإعلام)، أصبح الجولاني فاعلًا شرعيًا؛ لدرجة أنه خلال رحلة دونالد ترامب الإقليمية، عُقد اجتماع بينه وبين الجولاني، بوساطة محمد بن سلمان، ولي عهد المملكة العربية السعودية؛ وهو اجتماع تجاوز مجرد صفقة سياسية. وضع ترامب شروطًا لتطهير وجه الجولاني تمامًا، بما في ذلك طرد الجماعات الفلسطينية من سوريا، وقبول النظام الصهيوني، والانضمام إلى الولايات المتحدة في “هزيمة داعش”! نفس الجلادين الذين اعترف باراك أوباما بدور أمريكا في ولادتهم. أظهرت هذه الشروط أن معيار الغرب لـ “الإرهابي الجيد” أو “الإرهابي السيئ” ليس الجرائم، بل درجة الطاعة للنظام الأمريكي.

المنافقون؛ تتداخل تجربة إيران في مواجهة الإرهاب مع هذا النمط من جوانب متعددة. فقد حظيت منظمة مجاهدي خلق، الملطخة أيديها بدماء آلاف المواطنين الإيرانيين، بدعم مباشر وغير مباشر من الولايات المتحدة وحلفائها في مراحل مختلفة، بدءًا من التعاون مع صدام خلال الحرب المفروضة، وصولًا إلى تأمين ممر آمن إلى ألبانيا، واستغلال القدرات الإعلامية في أوروبا. كل هذا كان جزءًا من مشروع حوّل إرهابيي دولة إلى أداة ضغط عليها.

هذا السلوك المتناقض للغرب، الذي يرفع شعار مكافحة الإرهاب من جهة، ويمنح القتلة اللجوء السياسي والتمويل والمنصة الدولية من جهة أخرى، لم يُضعف ثقة الدول فحسب، بل مهد الطريق أيضًا لتقوية الحركات الإرهابية.

المجتمع المدني على قائمة لندن السوداء

بالتزامن مع عملية تطهير الإرهابيين مثل جولاني و منظمة مجاهدي خلق الإرهابية، اتبع الغرب نهجًا معاكسًا تجاه الجماعات المدنية المناهضة للعنصرية والصهيونية. ومن أبرز الأمثلة على ذلك منظمة “فلسطين أكشن” البريطانية، التي تحتجّ بفعاليات رمزية وسلمية على أنشطة الشركات التي تلعب دورًا في تسليح الجيش الإسرائيلي. إلا أن الحكومة البريطانية أدرجت هذه المنظمة على قائمة الإرهاب.

اتُخذ هذا القرار في الوقت الذي كشفت فيه وسائل الإعلام الغربية مرارًا وتكرارًا دور النظام الصهيوني في عمليات اغتيال قادة المقاومة الفلسطينية واللبنانية. لم يكتفِ الصهاينة بالاعتراف بالاغتيالات، بل عرّفوها أيضًا بأنها جزء من “عقيدتهم الأمنية”. في المقابل، يُطلق على من يستخدم الكلمات أو الألوان كأسلحة ضد الاحتلال والمجازر اسم الإرهابيين.

الإرهاب في مواجهة الإرهاب

تُعدّ إيران من أكبر أهداف الإرهاب في القرن الماضي. من تفجير مكتب رئيس الوزراء عام ١٩٨٨ واستشهاد رجائي وباهنر، إلى هجمات داعش الأخيرة على مجلس الشورى الإسلامي ومرقد الإمام الخميني، ومن الاغتيالات واسعة النطاق التي شنتها منظمة مجاهدي خلق إلى جرائم جيش الظلام على الحدود الشرقية، خلّفت إيران سجلاً دموياً من الضحايا.

و مع ذلك، لم يكن سلوك إيران السياسي والاجتماعي في مواجهة الإرهاب سلوك الضحية، بل تُعتبر من رواد مكافحة الإرهاب. فمن محاربة داعش في سوريا والعراق إلى دعم الحكومات الشرعية في المنطقة، لعبت طهران دوراً حاسماً في احتواء موجة الإرهاب التكفيري. هذا في حين أن الشهيد الجنرال قاسم سليماني، رمز هذه المقاومة الدولية، كان هو نفسه هدفاً لعملية إرهابية شنتها الولايات المتحدة. لم يكن اغتيال الجنرال سليماني في مطار بغداد انتهاكًا واضحًا للقانون الدولي والسيادة الوطنية لدولة مستقلة فحسب، بل أظهر أيضًا مدى استعداد الغرب للقضاء حتى على قادة مكافحة الإرهاب للحفاظ على هيمنته. بهذا الإجراء، أثبتت الولايات المتحدة عمليًا أن “مكافحة الإرهاب” ليست مبدأً أخلاقيًا بالنسبة لها، بل أداة لاحتواء القوى المنافسة.

الصيغة الشائعة للإرهاب

يقوم نهج الغرب في التعامل مع الإرهاب على مبدأ “مرونة الهوية”؛ أي أنه يمكن نقل أي جماعة من القائمة السوداء إلى طاولة المفاوضات إذا توافقت مع المصالح الجيوسياسية للغرب. ومن الأمثلة على ذلك ليس الجولاني فحسب، بل حتى حركة طالبان الأفغانية، التي كانت في السابق عدو واشنطن الأول، والتقطت مؤخرًا صورة تذكارية مع وزراء أمريكيين في الدوحة.

و قد طُبقت السياسة نفسها فيما يتعلق بالجولاني. في لقاء ترامب الأخير معه، دخل زعيم جبهة النصرة، الذي لا يزال يُتهم بالعنف والقمع، في عملية إضفاء الشرعية عليه بشرط التعاون الأمني ​​والسياسي. وإلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا، يُعدّ النظام الصهيوني طرفًا ثابتًا في قضايا الإرهاب. وتُعدّ الاعترافات الأخيرة لمسؤولي تل أبيب بشأن اغتيالات مُستهدفة استهدفت مجموعة من النخب العلمية والمواطنين المدنيين في بلدنا دليلًا على أن الإرهاب لم يُرسّخ في بنية إسرائيل فحسب، بل أصبح أيضًا جزءًا من الاستراتيجيات الرسمية لهذا النظام.

الإرهاب الذي لا يخدم مصالحنا إرهابٌ سيء.

إن دراسة نهج الغرب تجاه الإرهاب وحقوق الإنسان تُظهر صورةً فوضويةً لنظرةٍ عالميةٍ تُسخّر العدالة والأمن والقانون لخدمة المصالح السياسية والجيوسياسية. إن حركة جولاني، و منظمة مجاهدي خلق الإرهابية، و طالبان، و عشرات غيرها، ليست سوى قطعٍ في اللعبة الخطيرة المتمثلة في إعادة تعريف “الإرهاب المرغوب فيه” في النظام الأمريكي.

تُصنّف منظمات المجتمع المدني، وحتى الحكومات التي تتمسك بمبادئها المستقلة، وتُعزل في مواجهة جماعات المقاومة. وبينما قد تكون هذه العملية فعّالة سياسياً على المدى القصير، إلا أنها على المدى الطويل ستُقوّض شرعية المؤسسات الدولية، و تُقوّض حقوق الإنسان الحقيقية، و تُفاقم انعدام الثقة العالمي.

إن جمهورية إيران الإسلامية ضحيةٌ ومُقاتلةٌ في هذا الصدد. إنها دولةٌ صمدت ورفعت راية النضال الحقيقي ضد الإرهاب رغم اغتيال آلاف أبنائها؛ بغض النظر عن أن العالم الغربي قد عرّف معاييره الأخلاقية رأساً على عقب بأصواتٍ مثل جولاني و سليماني. آلة التطهير

في عملية تطهير شخصيات مثل الجولاني أو تبييض صفحات جماعات مثل مجاهدي خلق، لا يمكن تجاهل دور الإعلام الغربي. فالإعلام، الذي يُفترض أن يكون لغة الحقيقة والشفافية، أصبح ذراعًا ناعمة للمشاريع السياسية والأمنية، واتخذ خطوات فعّالة لهندسة الرأي العام وتشويه المفاهيم.

ومن الأمثلة الواضحة على ذلك الطريقة التي تتناول بها وسائل الإعلام الغربية الجولاني؛ فهو شخص ذو سجل إجرامي خطير، كان يُقدّم في تقارير بي بي سي وسي إن إن ورويترز بألقاب مثل “زعيم فرع القاعدة في سوريا” و”مرتكب جرائم حرب” حتى قبل بضع سنوات، يُقدّم الآن في نفس وسائل الإعلام على أنه “زعيم جماعة إسلامية معتدلة” أو ببساطة “معارض لبشار الأسد”. حتى في مقابلة مع بي بي إس، مرتديًا بدلة ويتحدث الإنجليزية، قدّم الجولاني وجهًا عصريًا ذا توجه سياسي؛ كما لو أن جرائمه قد نُسيت أو لم تحدث قط. في هذه الأثناء، تسعى وسائل الإعلام الغربية جاهدةً لتصوير جماعات المقاومة في فلسطين ولبنان، وحتى منظمات المجتمع المدني مثل “فلسطين أكشن”، بأوصاف مثل “المتطرفة” و”الراديكالية” و”المعادية للحضارة”. هذا التشويه المتعمد للرواية هو تحديدًا ما يسمح لإسرائيل باغتيال قادة المقاومة بسهولة، بينما لا يدينها الرأي العام الغربي فحسب، بل يعتبرها أيضًا جزءًا من “حق الدفاع عن النفس”.

 

النقطة الأساسية هنا هي أن مفهومي “الإرهاب” و”حقوق الإنسان” في الخطاب الإعلامي الغربي هما نتاج “الموقف السياسي” تمامًا، وليسا الواقع الميداني الموضوعي. هذا هو النمط نفسه الذي يجعل السعودية، التي لم تُطهّر نفسها بعد من لطخة جريمة خاشقجي، شريكًا استراتيجيًا للديمقراطية في المنطقة، أو النظام الصهيوني، بمئات عمليات الاغتيال وجرائم الحرب، لا يزال يُطلق عليه لقب “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”. في هذا الإطار، لا تعكس وسائل الإعلام السياسات الرسمية فحسب، بل أصبحت هي نفسها جزءًا من آلة الحرب النفسية ضد المقاومة والعدالة والحقيقة. ولذلك فإن المعركة ضد المعايير المزدوجة للغرب ستظل ناقصة دون الكشف عن دور البنى الإعلامية التابعة.

 

 

عرض المزيد

نوشته های مشابه

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

دکمه بازگشت به بالا