
و وفقًا للمراسل الثقافي لوكالة الأنباء الإيرانية (إرنا)، صدر كتاب “حيّ و عم خياط” للكاتبة عصمت سبهري، وكتبت ابنة الشهيد في المقدمة: لسنوات، كنتُ قلقة بشأن تدوين ذكريات حياة والدي. مرت الأيام والليالي، و الشهور و السنوات، و ما زلتُ أفكر في هذا الموضوع. شعرتُ بثقل الكلمات و الذكريات و واقع حياة والدي على كاهلي، ولسنواتٍ كان همي أن أكتب عن سيرته، وسلوكه، وطبعه، وسبب إعجاب الناس به، وأهل الحي، والأصدقاء، والمعارف، والأهل، والأقارب به، والظلم الذي لحق به أثناء استشهاده، وأن أقدمه قدوة للمجتمع. لكن كلما عزمتُ على الكتابة، لم يُجدِ القلم نفعًا. (صفحة ٥)
كتب عن صعوبات كتابة سيرة والده: واجهتُ بعض الصعوبات في أداء هذه المهمة الجادة. أحيانًا، خلال كل الساعات التي كنتُ أتحدث فيها مع الناس، و الأهل، و الأصدقاء عن والدي، كان ينوء بثقلٍ عليّ، و يؤلمني قلبي، و يصيبني صداعٌ شديد. أحيانًا لا أستطيع الكتابة؛ إذا توقفتُ عن الكتابة بسبب حالتي النفسية والجسدية وأرجأتُها إلى وقتٍ آخر. أحيانًا، سماعُ بعض الحقائق عن حياة والدي التي لم أكن على درايةٍ بها؛ لقد أذهلني الأمر لدرجة أنني كنت أقضي ساعات في صمت أفكر في الأمر. (صفحة ٦)
كتب المؤلف، مشيرًا إلى أخلاق والده: كانت النساء يرتدن أحيانًا المحل لخياطة المعاطف والتنانير، فاضطر أبو القاسم إلى الذهاب إلى آية الله بسنديدة، شقيق الإمام الخميني، لمواصلة عمله والحصول على التوجيهات الدينية في هذا الشأن. كما لم يكن آية الله باسنديدة يرى أن الخياطة للنساء جائز بسبب قياسات أجسادهن. فقرر أبو القاسم خياطة البدلات والسراويل للرجال فقط. لذلك، سعى للحصول على ترخيص لخياطة بدلات الرجال. (صفحة ٢٢)
كتبت ابنة الشهيد سبهري أيضًا: خلال الحرب المفروضة و الدفاع المقدس، و أيام هجوم صدام على إيران بمساعدة الدول الغربية و الأوروبية، كان العم الخياط قلقًا و مضطربًا، يفكر باستمرار في الخدمة التي يمكنه تقديمها لدعم المقاتلين. أخيرًا، قرر أن يأخذ ماكينة الخياطة الخاصة به إلى الجبهة و يخيط ملابس للمقاتلين. أطلع عائلته على قراره، و حصل على موافقتهم، و قام بكل ما يلزم للذهاب إلى الجبهة. حمّل ماكينة الخياطة و المعدات اللازمة على شاحنة، و توجه إلى الأهواز، و استقر بجوار معسكر المحاربين. كان يخيط يوميًا و يقدم خدمات جيدة. مكث و عمل في الجبهة ثلاثة أشهر متتالية. اعتبر أبو القاسم المحاربين كائنات إلهية ضحّت بسلامها و راحتها لحماية الوطن. لذلك، آمن بأن أجواء الجبهة و روحانية المحاربين قد حوّلت ذلك المكان إلى “دار شفاء”. كانت قدماه تؤلمانه، فقرر أن يمسح تراب باطن قدميه يوميًا. و عندما عاد إلى منزله بعد ثلاثة أشهر، لم يعد يشكو من ألم في قدميه. (صفحة ٤٦)
في إشارة إلى حب أهالي حي إسكندري بطهران لهذا الشهيد، كتب: “كأن الظروف لم تكن مهيأة للمنافقين اللذين أمرا باغتيال العم خياط. جابا الشارع بدراجاتهما النارية عدة مرات حتى هجر المتجر، و تمكن كلاهما من تنفيذ عملهما الشرير. و أخيراً، حانت تلك اللحظة. بالنسبة للعم خياط، كانت لحظة لقاء الله تعالى مُعدّة، و بالنسبة للمنافقين القساة، كانت لحظة الاغتيال مُعدّة. كان المتجر مهجوراً، و كان العم خياط يخيط الملابس، وكشتبانه و إبرته لا تزالان في يديه، سعيداً بتجهيز ملابس أحد الزبائن، لكن هذه اللحظة كانت اللحظة الموعودة التي سيستجيب فيها لله تعالى و هو يخدم الناس. ساد الهدوء المتجر، إذ لم يكن فيه سوى ثلاثة أشخاص. ثم دخل أحد المنافقين المتجر، و نادى العم خياط و سأل: “من هو السيد سبهري؟” أجاب العم خياط: “تفضلوا!”… و حسب أقوال المنافقين أنفسهم، و حسب الوثائق، أُطلقت 13 طلقة في ذلك اليوم. و زعم البعض أن المنافق صرخ قبل وابل الرصاص: “بسم الله و باسم الرحيم!”. و هكذا أصابت السهام قلب العم خياط و عقله، فاستشهد و هو صائم اللسان. (صفحة 74)
في جلسات التحقيق التي أدارها الشهيد لاجوردي، اعترف المنافق بأنه، إلى جانب والدي، قتل خمسة رجال أعمال آخرين من حي غرب طهران، منهم الشهيد بهنود، بائع بقالة، وبائع ليمون، وصانع سماور. طلب السيد لاجوردي من والدتي مقابلة المنافق المذكور برفقة أخي الأصغر حسن. خلال هذا اللقاء، سألت أمي المنافق: “هل كنت تعرف زوجتي التي حاولت اغتيالها؟ هل كنت تعلم أنها أب لعدة أطفال صغار؟ هل ارتكبت أي جريمة أو خطأ يبرر قتلها؟” أجاب المنافق: “لا! لم أكن أعرفها ولم أرها على الإطلاق. لقد اغتالته فقط بأوامر من رجوي، الذي اعتبر أشخاصًا مثل زوجتك هدفًا للمؤامرة وأصر على القضاء عليهم. “وأخيرًا، تم شنق المنافق المعني في العام التالي في شهر رمضان المبارك، ليلة استشهاد والدي؛ على أمل أن يُعاقب الجناة الرئيسيون لهذه العملية يومًا ما على أفعالهم، حتى يتمكن الناجون من العزاء. (صفحة ٨٤)
كتب ابن هذا الشهيد، الذي شارك في الدورة الثامنة والعشرين لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، سويسرا، عن خطابه في الدورة المتخصصة حول المرأة وحقوق الإنسان: كان من المؤلم و المرير بالنسبة لي أن يرد المقرر الخاص بهدوء و برود: “هذه القضية لا تعنينا. اذهبوا وناقشوا قضيتكم في بلدكم وأخبروا حكومتكم. لأن هذه القضية تخص حكومتكم”. اجتاحني حزن عميق. غرق قلبي و انهمرت الدموع من عيني، و فكرت في نفسي: “ألستَ صحفيًا؟ ألا تدّعي امتلاك حقوق الإنسان؟ كيف تعتبر نفسك ناشطًا في مجال حقوق الإنسان و تدافع عن قتلة و مجرمي بلد و تغض الطرف بسهولة عن جرائم منتهكي حقوق الإنسان من منظمة مجاهدي خلق الإرهابية؟” نهضتُ و غادرتُ الاجتماع، و أنا أقول في نفسي: “أنا آسف من أجلك؛ من أجلك، لقد تبادل القاتل و الضحية مكانهما!” (صفحة ٩٠)
كتاب “جار وعم خياط” صدر كتاب “نظرة على سيرة الشهيد أبو القاسم سبهري” عن دار نشر سرير بالتعاون مع منظمة نشر أعمال و قيم مشاركة المرأة في الدفاع المقدس في 114 صفحة.