جمعية للدفاع عن ضحايا الإرهاب – يقول علاء الدين أبو زينة في مقاله فی الغد أن أميركا تقتل صنائعها.
نقرا في مقاله أن، يقول المفكر الراحل إدوارد سعيد في حوار مع ديفيد بارساميان: «ولا تنسَ أمراً ينطوي على مفارقة، وهو آخر نقطة يجب إيضاحها: أن الكثير من هؤلاء الناس، بمن فيهم أسامة بن لادن وطالبان الأفغان وكذلك المجاهدين، المقاتلين من بينهم، كانت الولايات المتحدة قد دعمتهم وغذتهم في مطالع الثمانينيات إبان الغزو السوفياتي لأفغانستان، في وقت ساده اعتقاد بأن حشد الإسلام في مواجهة الشيوعية الإلحادية ستكون له تداعيات وخيمة.
وهو ما حدث في الحقيقة. وأذكر أن مجموعة من المجاهدين قدموا إلى واشنطن في العام 1986، وحياهم الرئيس رولاند ريغان ووصفهم بـ»مقاتلي الحرية».
بالإضافة إلى هذه الصلة المباشرة التي أكدتها هيلاري كلينتون، وزبغنيو بريجنسكي، مدير ملف «الجهاد الإسلامي» في حقبة كارتر، وآخرون، ثمة الصلة الأعمق.
من المعروف أن الولايات المتحدة هي الراعي الأكبر للأنظمة التي توصف بأنها استبدادية، وأبوية، ونخبوية، تحرم طرائقها الناس من الفرصة وتبقي الشعوب في مستنقع الفقر وبلا وصول إلى العدالة.
وهذه وصفة مثالية لتصنيع اليأس الذي يدفع الناس، عندما تفشل مساعيهم الدنيوية، إلى الاعتصام بالقوى العلوية. واليأس سبب معروف للنزعات المغامراتية والانتحارية المتطرفة، حيث لا يعود للفرد ما يخسره.
وثمة الدور الأميركي المعروف في إدامة الكيان الصهيوني. وأدوار الكيان السلبية في المنطقة مركبة. فهو من جهة شرطي أميركا الذي تضمن هيمنته ليضمن هيمنتها، بشرط إعدام فرص الشعوب في التقدم والحرية، وإخضاعها وكسر روحها بتحديد وسائل حكمها.
وهو من جهة أخرى تجسيد للظلم، واستفزاز متطرف للمشاعر الدينية والقومية الإنسانية. ويشكل الكيان، بأيديولوجيته وأساليبه، النقيض للأفكار الإيمانية الإسلامية التي تشجع وتُلزم بمحاربة العدوان ورفع الظلم عن المظلومين.
ويشكل استعمار فلسطين دافعاً مبرراً لثوران المشاعر المعادية للكيان، كاحتلال ظالم، وداعميه ومقاتلتهم كواجب ديني.
باختصار، سوف تُفضي معظم مسالك «التطرف» إلى غرف السياسة في واشنطن. وإذا قورنت أرقام الضحايا التي أوقعها ما يُدعى «التطرف الإسلامي» بالغرب كله مع الضحايا المسلمين، المباشرين وغير المباشرين، لسياسات وأعمال الغرب وأميركا والكيان، فإن الفارق مذهل. ثمة الاحتلالات الغربية المباشرة وغير المباشرة وما أزهقته من أرواح.
وثمة الذين سُجنوا وطوردوا وعاشوا بلا حرية ولا كرامة ولا خبز بسبب السياسات التي هندستها الولايات المتحدة وعيّنت منفذيها، والكثير.
والأرقام بعشرات الملايين وفي ازدياد. ويكفي أن نحو 15 مليون فلسطيني تقريباً، شعباً كاملاً، يتعرض للإبادة المستمرة والإلغاء جراء الإرهاب القاتل الحقيقي المسلط عليهم طوال عقود.
«الجهاديون»، الوصف الذي يُطلق على المسلمين جميعاً في الحقيقة، مصحوباً بوصف «الإرهابيين»، هم في الجزء العنيف منهم صنيعة الولايات المتحدة. وقد ألحق المتطرفون، الذين ليسوا المسلمين كلهم بالتأكيد أذى بليغاً بالعرب والمسلمين واستهدفوهم بالقتل، لا أقل، وخربوا بلداناً وعاثوا فيها فسادا، لمصلحة الهيمنة الخارجية.
لكن اعتبارهم المسؤولين عن زعزعة أمن العالم والتجسيد الوحيد للإرهاب وتقويض العدالة، يتجنى على الحقيقة. إن أسباب عنفهم مُصنّعة، بطريقة أو بأخرى، في أروقة السياسة الأميركية.
وهو لا يُقارن، في حجمه وأثره ودوافعه بالإرهاب القاتل هائل الأدوات وبالغ الوحشية الذي يمارسه المهيمِن الأكبر على الشعوب وأحلامها في كل الكوكب.
وأخيراً، تحت عنوان «الحرب على الإرهاب» دُمرت بلدان، وقتل وشُرد أبرياء لا حصر لعددهم، وشُددت الرقابة على الحريات، وبُرر القمع وانتُهكت خصوصيات شعوب بأكملها، في أبشع أشكال الإرهاب التي توصل إليها العقل التآمري الوحشي.
أعلن الرئيس الأميركي أن «العدالة تحققت» بمقتل الظواهري (وهو يستحق العقاب حتماً على أيديولوجية تنظيمه والأضرار التي أحدثتها في المنطقة، وليس أقلها خدمته مصالح نفس صانعيه وضد المنطقة وأهلها).
لكن الرئيس لا يتحدث عن العدالة التي لم تتحقق: محاسبة ومعاقبة جرائم بلده في حق عشرات ملايين الأبرياء في كل مكان.
ورعاية بلده لجرائم الحرب المستمرة التي يرتكبها وكيله، الكيان الصهيوني، يومياً في حق الشعب الفلسطيني والمنطقة.
ودأب بلاده على رعاية الأنظمة التي تجعل حياة الملايين أشبه بالموت وهم بلا حرية ولا كرامة ولا خُبز –وكل ما يلزم لدفع الناس إلى العنف والانتحار.
يصف البعض عنف «القاعدة» وتفرعاتها بأنه «انقلاب السحر على الساحر». ولكن، حتى هذا كان مبرر نظرية «صراع الحضارات» ووسم المسلمين جميعاً بالإرهاب، فحرب أميركا وأتباعها المفتوحة على الشعوب وتدمير مقدراتها، بما يخدم مرة أخرى هدف تكريس الهيمنة.
وهي خدمة أخرى إضافية قدمها لها صنائعها الذين تقتلهم بلا رحمة بعد استنفاد أغراضهم. أتصور أن هذا هو السياق.